logo Ministry of Foreign Affairs
الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية
وزارة الشؤون الخارجية و الجالية الوطنية بالخارج

كلمة السيد عطاف في اجتماع مجلس الأمن الأممي بخصوص التعاون بين جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة.

  بسم الله الرحمن الرحيم

 

أشكر كلُاًّ من السيّد أحمد أبو الغيط، الأمين العام لجامعة الدول العربية، والسيّد محمد خالد خياري، الأمين العام المساعد بمنظمة الأمم المتحدة، على تَنْوِيرِهِمْ إِيَّانَا حول واقعِ وآفاقِ التعاونِ بين جامعةِ الدول العربية ومُنظمةِ الأمم المتحدة.

إن تعزيزَ علاقاتِ التعاونِ والتنسيقِ والتكاملِ بين مُنَظَّمَتَيْنَا قد صار، في نَظَرِنَا، ضرورةً حتمية تُمليها جُملةٌ من الاعتبارات التي لا يُمكن تَجَاهُلُهَا أو التغاضي عنها:

فَإِنْ تَحَدَّثْنَا أولاً بلغة الأرقام، فالأوضاعُ المُتأزمة فِيمَا لاَ يَقِلُّ عن ثُلُثِ الدُّوَلِ الأعضاء في جامعةِ الدول العربية قد أضحت، وللأسف، بنوداً ثابتة، وبنوداً قَارَّة، على جدولِ أعمالِ مَجلِسِنا هذا، تَتَصَدَّرُ اهتِماماتِه، وتُهَيْمِنُ على اجتماعاتِهِ، وَتَطْغَى على مُخرجاتِ مُدَاوَلاَتِه.

وَإِنْ تَحَدَّثْنَا ثانياً بلغة القانون، فالفصلُ الثامنُ من ميثاقِ مُنَظَّمَتِنَا الأممية قد كرَّسَ بكل وضوح دَوْرَ التَّجَمُّعَاتِ الإقليمية في تسوية الأزمات التي تَنْشُبُ في نطاقِها الجغرافي، وفي الاضطلاع بالقِسْطِ المَنُوط بها من المسؤوليات، وفي تَحَمُّل نصيبِها من جُهود تحقيق الأمن الجماعي الذي تَنْشُدُهُ المجموعة الدولية بِأَسْرِهَا.

وَإِنْ تَحَدَّثْنَا ثالثاً وأخيراً بلغة المنطق، فمنطقُ الأمور يُحَتِّمُ على مُنَظَّمَتِنَا الأممية هذه وعلى مجلِسنا هذا الاستنارةَ بآراءِ وتوصياتِ مَنْ هُمْ أقربُ لِمَوَاطِنِ النزاعات، ومَنْ هُمْ أَقْدَرُ على فَهْمِ حَيْثِيَّاتِها وتَعقيداتِها، ومَنْ هُمْ أَوَّلُ المتضرِّرين بِتَدَاعِيَاتِهَا ومآلاتِها.

من هذا المنظور، فإن الجزائر تدعمُ كُلَّ مَا مِنْ شَأْنِهِ أن يُقَوِّيَ العلاقاتِ بين جامعةِ الدول العربية ومنظمةِ الأمم المتحدة. وقد عَمِلَتْ بلادي، منذ انضمامِها لهذا المجلس، لأن تكونَ لسانَ حالِ المجموعة العربية، تُرَافِعُ عن هُمُومِها وشَوَاغِلِها، وَتُدَافِعُ عن تَوَجُّهَاتِهَا وَمَوَاقِفِهَا بكل أمانةٍ وإخلاصٍ ووفاء.

ونحن نعتبرُ هذا الدور بمثابة الجِسْرِ الرَّابِطِ بين المُنَظَّمَتَيْنْ، جسرٌ نَتَطَلَّعُ لتعزيزِهِ وَتَقْوِيَتِهِ، بالتنسيق مع جمهورية الصومال الشقيقة، كَعُضْوَيْنِ عَرَبِيَّيْنِ بمجلس الأمن، نَتَحَمَّلُ ما يُمليه علينا الواجبُ تُجاهَ فَضَاءِ انتمائِنَا العربي، وما يَقْتَضِيهِ مِنَّا الالتزامُ تُجَاهَ المبادئِ والقيمِ والمقاصدِ التي قَامَتْ عليها ومن أجلها مُنظمةُ الأمم المتحدة.

فالتطوراتُ المتسارعة التي يشهدُها هذا الفضاء، لها من الخطورةِ والفداحةِ، ما لا يَسُرُّ البَتَّة وما لا يرتاحُ لَهُ أَيُّ بَالْ:

لا من ناحيةِ التحدياتِ الوجوديةِ التي تَنْهَالُ على قضيتِنا المركزية، القضية الفلسطينية،

ولا من ناحيةِ النزاعاتِ والصراعاتِ والحروبِ التي ما فَتِئَتْ تَتَّسِعُ رُقْعَتُهَا من المحيط إلى الخليج،

ولا من ناحيةِ التهديداتِ المُتَعَاظِمَةِ والمُتَفَاقِمَة التي تَتَرَبَّصُ بكياناتِ العديدِ من الدول العربية المُسْتَهْدَفَةِ في سَلاَمَةِ أراضيها، وفي وحدةِ شُعُوبِهَا، وفي حُرْمَةِ سِيَادَتِها، وفي حَقِّ التَّحَكُّمِ والتَّصَرُّفِ بِمَصِيرِهَا.

في ظِلِّ هذه الأوضاع:

نَحْنُ أَحْوَجُ ما نَكُونُ اليوم لشراكةٍ عربية-أممية صادقة، وهادفة، وفاعلة،

ونحن أحوج ما نكون لشراكةٍ تَتَكَاتَفُ فيها الجُهود وَتَتَقَوَّى فيها المساعي،

ونحن أحوج ما نكون لشراكةٍ تُعِيدُ الاعتبارَ للعملِ الدبلوماسي العربي والأممي في إرساءِ أُسُسِ السِّلْمِ والأمنِ والرخاءِ في المنطقةِ العربية بِرُمَّتِها.

إِنَّ ما نَتَرَجَّاهُ أولاً من هذه الشراكة هو أن تُعِيدَ التأكيدَ على أَنَّ مِفْتَاحَ استعادةِ الأمنِ والاستقرارِ في الشرقِ الأوسط، يَكْمُنُ في حَلِّ القضية الفلسطينية، وفي تَسويتِها على الأسُسِ التي حدَّدَتْهَا الشرعيةُ الدولية. فتاريخُ هذه المنطقة، بَعِيدِهَا وَقَرِيبِهَا، يُثْبِتُ بِمَا لاَ يَدَعُ مَجَالاً للشك أنَّ تَحْيِيدَ هذه القضية وَإِقْصَاءَهَا من مُعَادَلَةِ السِّلْمِ الإقليمي لَنْ يَزِيدَ المنطقةَ إلا تَوَتُّراً وتأزُّماً.

وبالتالي، فَإِنَّنَا اليوم أَمَامَ فُرْصَةٍ تَاريخيةٍ فارقة لِتَجَنُّبِ أَخْطَاءِ وَتَجَاوُزَاتِ الماضي، وذلك عبر توظيفِ اتفاقِ وقفِ إطلاق النار في غزة، لإعادةِ بعثِ مسارٍ سياسي يأخذُ على عَاتِقِهِ تَفْعِيلَ الحَلِّ الدَّائِمِ والعَادِلِ والنِّهَائي الذي اِلْتَفَّتْ حَوْلَهُ المجموعةُ الدوليةُ برمتها، ألا وهو حَلُّ الدولتين.

وَإِنَّ مَا نَتَرَجَّاهُ ثَانِياً من هذه الشراكةِ العربية-الأممية هو أَنْ تَضَعَ نُصْبَ أولوياتِها وَضْعَ حدٍّ لظاهرةِ التدخلاتِ الخارجية بكافة أصنافِها وأشكالِها ومظاهِرِها.

فهذه التدخلات أَضْحَتْ عَامِلاً مُشْتَرَكاً بين جميعِ الأزماتِ في عالمنا العربي، من ليبيا إلى سوريا، ومن السودان إلى اليمن.

وهذه التدخلات أَصْبَحَتْ تَقِفُ حَاجِزاً رئيسياً أمام جَمِيعِ المساعي والمبادرات الرامية لبلورةِ حُلُولٍ مُسْتَدَامة للأزمات.

وهذه التدخلات صارت تُهَدِّدُ كَيَانَاتِ الدُّوَلِ المعنية بالتجزئةِ وبالتقسيم، تجسيداً لِمَشَارِيعَ ومآربَ لا تَمُتُّ للمصالحِ الوطنية بصلة.

أمّا مَا نَتَرَجَّاهُ ثالثاً وأخيراً من هذه الشراكة، فَهُوَ أَنْ تَكْسِرَ جُمُودَ المساراتِ السياسيةِ الراميةِ لِحَلِّ مُخْتَلَفِ الأزماتِ في العالم العربي. فَلَمْ يَعُدْ من المقبول، ولم يَعُدْ مِنَ المعقول، ولم يَعُد من الطبيعي، أَنْ تُرَاوِحَ كُلُّ هذه المسارات مَكَانَهَا طِيلَةَ كُلِّ هذه الأعوام، دُونَ أن يَكُونَ لمنظمةِ الأمم المتحدة ولجامعةِ الدول العربية دورٌ مشتركٌ ومساهمةٌ بارزة في الضغط لِتَغْلِيبِ سَبِيلِ الحوار على سُبُلِ الصِّدام والصِّراع.

من هذا المنظور، يَجِبُ أن يكونَ التطورُ الواعدُ للأوضاعِ في لبنان موضوعاً مركزياً في تظافر الجُهودِ بين جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة، للإسهامِ في وضعِ هذا البلد الشقيق، وبصفةٍ نهائية، في مَأْمَنٍ من الاضطرابات المُكْلِفَةِ والمأساوية التي عانى منها على طول السنوات الماضية.

وكذلك الأمر بالنسبة لسوريا الشقيقة، التي عانت ما لا يُوصَفُ وما لا يُنْعَتُ وما لا يُقَيَّمُ من المآسي والويلات. فمن مسؤوليةِ مُنَظَّمَتَيْنَا مُرَافَقَتُها اليوم:

على دربِ استرجاعِ السلمِ والأمنِ في كافة ربوعها،  

وعلى دربِ استعادةِ سِيَادَتِها  كاملةً غير مبتورة،

وعلى دربِ فَرْضِ حُرمةِ تُرابها،

وأخيراً وليس آخراً على دربِ لَمِّ شَمْلِ كافةِ أبنائِها وبناتِها حول مشروعٍ وطنيٍّ جامعٍ يرقى لأصالةِ وعراقةِ تاريخِ سوريا، ويتماهى ويتناغمُ مع ما يتطلعُ إليه هذا البلد الشقيق من غدٍ أفضل مشروع.  

عَلَى ضَوْءِ هذه الأولويات، حَرِيٌّ بِنَا وَنَحْنُ نَحْتَفِي هذا العام بالذكرى الثمانين لتأسيس كُلٍّ من جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة، أن نسعى جاهدين لبناءِ علاقةِ تكاملية بين المُنَظَّمَتَيْنْ:

علاقةٌ تَقُومُ على التَّفَاعُلِ الدَّائِمْ والحِوَارِ البَنَّاءْ،

وعلاقةٌ تَسْتَنِدُ إلى إِطَارِ مُؤسساتي يَحْفَظُ دَيْمُومَتَها واسْتِمْرَارِيَتَها،

وعلاقةٌ تُرَاعِي ضَرُورةَ الاستفادةِ من المِيزات النسبية والخصائص النوعية التي تتمتع بها كلُّ منظمة، وَتَوْظِيفِهَا في خدمة السِّلْمِ والأمنِ إقليمياً ودولياً.

فمما لا شك فيه:

أَنَّ منظمةَ الأمم المتحدة وجامعةَ الدول العربية، كِلاَهُمَا بحاجةٍ لهذه العلاقة التكاملية لتطويرِ وتعظيمِ تأثيرهِمَا نحو الأحسن والأفضل،

وَأَنَّ المنطقةَ العربية بحاجةٍ لهذه العلاقة التكاملية لخلق فُرَصِ استعادة السلم والأمن والاستقرار بِهَا،

وَأَنَّ المنظومةَ الدوليةَ بحاجةٍ، هي الأخرى، لهذه العلاقة التكاملية التي تُمَثِّلُ عِلَّةَ وجود العمل الدولي متعدد الأطراف، ورافداً من روافده الأساسية.  

وشكراً على كرم الإصغاء  .

جميع الحقوق محفوظة - وزارة الشؤون الخارجية و الجالية الوطنية بالخارج