كلمة وزير الدولة أحمد عطاف في الندوة الصحفية الخاصة بحوصلة نشاط الدبلوماسية الجزائرية لسنة 2024
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبيه الصادق الأمين
- أيها السيدات الفضليات،
- أيها السادة الأفاضل،
- أيها الجمع الكريم،
شكراً لكم على تلبية الدعوة، وعلى حضوركم في التئامنا هذا الذي يأتي بتوجيهٍ من السيد رئيس الجمهورية، وهو التوجيه الذي صدر عنه يوم أمس في خطابه الموجه للأمة أمام البرلمان المجتمع بغرفتيه. والهدف من هذا التوجيه هو إحاطة الرأي العام الوطني بحوصلةٍ حول نشاط الدبلوماسية الجزائرية خلال العام 2024.
عامٌ كان عنوانُه الرئيسي، بالنسبة لنا، تقوية انتشار الدبلوماسية الجزائرية وتعزيزُ مكانتِها ودورِها على الصعيدين الإقليمي والدولي. وعامٌ كانت سِمَتُهُ الرئيسية، بالنسبة لنا وبالنسبة لغيرنا، تنامي وتفاقمِ وتراكمِ الصِّدَامَاتْ والصراعات والحروب على خلفيةِ جوٍّ دولي مشحونٍ بشكلٍ لا مثيل له إلا في زمن الحرب الباردة.
وبالتالي، فقد كان لزاماً علينا، مثلما هو الحال بالنسبة لغيرنا، أن نَتَكَيَّفَ مع التحولات المشهودة على الساحتين الدولية والإقليمية، وأن نَعْتَدَّ بها تمام الاعتداد ونحن نواصل مساعينا الرامية للحفاظ على مصالح بلادِنا وتعزيزِ دورِها في فضاءاتِ انتمائِها العربية والإفريقية والإسلامية والمتوسطية، وخارج فضاءات الانتماء هذه.
وليس من قَبِيلِ المُغالاةِ أو المُبالغةِ القولُ بأن عام 2024، بكل ما شَهِدَهُ من تطورات وتحولات، قد كرَّس توجهاً خطيراً، بل كارثياً، في العلاقات الدولية، وهو التوجه الذي تجسدت ملامحُه التمهيدية في غضون السنوات الثلاث الأخيرة.
- إنه التوجه أولاً نحو الإفراط في استعمال القوة كخيارٍ يفرضه القوي على الضعيف دون أن يجد هذا الأخير ملجأً يُنصفه أو دِرْعاً يحتمي به،
- وإنه التوجه ثانياً نحو إرساءِ نَهْجِ انتهاك القانون الدولي، جِهَاراً نَهَاراً، والدَّوْسِ على الشرعية الدولية، دون حسيبٍ أو رقيب، كوسيلةٍ من وسائل تكريس الهيمنة والتجبُّر على الغير،
- وإنه التوجه ثالثاً وأخيراً نحو تَحْيِيدِ المنظمات الدولية، وفي مقدمتها منظمة الأمم المتحدة، وإضعافُ دَوْرِها كمظهرٍ من مظاهر تَشَتُّتِ المجتمع الدولي وكعلامةٍ من علاماتِ تَدْشِينٍ عهدٍ جديد عُنوانه الإنطوائية وتغليبُ الذاتية والنزعة الأحادية.
إن هذا التوجه الخطير، بِتَفَرُّعَاتِه الثلاث، قد فرض واقعاً جديداً لم تَسْلَمْ من تَدَاعِيَاتِهِ أَيُّ بُقعةٍ من بِقاع المعمورة. غير أن القَدْرَ الأوفرَ من هذه التداعيات الجسيمة قد كان من نصيبِ منطقتِنا العربية وقارتِنا الإفريقية.
ولنا فيما يرتكبه الكيان الصهيوني في غزة من جرائمَ يَصعبُ وصفُها، وفيما يبُّثُهُ هذا الكيان في منطقة الشرق الأوسط برمتها من رُعبٍ وخرابٍ ودمار يستعصي حصرُ مآلاتِه، وفيما تعيشُه العديدُ من الأقطار العربية من حُروبٍ متفاقمة تُهَدِّمُ كياناتِها الوطنية وتمزق وحدةَ أبنائِها، لنا في كل هذه الأمثلة شواهدُ حية على حجم التحديات الوجودية التي تواجه الأمة العربية في المرحلة الراهنة.
ولنا أيضاً فيما تعيشُه منطقة الساحل الصحراوي من تراكم الأزمات ومن تعاظُم التدخلات الخارجية، ومن تَوَسُّعِ رُقعة الفقر والحرمان، ومن استشراء آفة الإرهاب والتطرف العنيف، وفيما تعيشه باقي المناطق الإفريقية من تفشي الاضطرابات والانقسامات، أبلغُ أدِلةٍ على ما أصابَ قارتَنا جَرَّاءَ الاستقطابات المشهودة على الساحة الدولية.
لقد شاءت الأقدار أن تَنْضَمَّ الجزائر كعضوٍ غير دائم لمجلس الأمن في هذا السياق الدولي المُثْقَلِ بالمخاطر والتحديات. وبقدر إدراكها لحساسية الظرف وصعوبة المهمة، فقد أخذت بِلادُنا على عاتِقها أن تُسْهِمَ، ولو بالقدر اليسير، في معالجة القضايا المطروحة أمام هذه الهيئة الأممية المركزية.
ودليلُنا في ذلك، التعليماتُ الواضحة التي أسداها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، منذ اليوم الأول، وهي التعليمات التي كانت ولا تزال تُشكل خارطة طريقٍ لعهدةِ الجزائر بمجلس الأمن. ويتعلق الأمر هنا بأربع محاور رئيسية طالما أكد وأصرَّ عليها السيد رئيس الجمهورية:
- المحور الأول: وهو أن تَعْمَلَ الجزائر على الدوام لتكون الصوتَ العربي والإفريقي بمجلس الأمن، تُرَافِعُ عن هُمومِ وَشَوَاغِلِ الدول والشعوب العربية والإفريقية، وتُدافعُ عن تطلعاتِها وطموحاتِها بكل أمانة وإخلاص. وأعتقد أن الجهود التي بذلتها بِلادُنا خلال العام الأول من عهدتها بالمجلس قد نالت استحسانَ ورضى وَدَعْمَ جُلِّ الدول العربية والإفريقية على حدٍّ سواء، لاسيما وأن هذه الجهود قد تمت بالتنسيق التام مع الأطراف المعنية ومع كل من جامعة الدول العربية والإتحاد الإفريقي.
- المحور الثاني: وهو أن تُكَرِّسَ الجزائر عُهدتَها بالمجلس لِنُصْرَةِ القضايا العادلة، وفي مُقدمتها القضية الفلسطينية وقضية الصحراء الغربية، دفاعاً عَمَّا أقرته الشرعيةُ الدولية من حقوقٍ وطنية ثابتة لصالح الشعبَيْن الفلسطيني والصحراوي على حدٍّ سواء.
ففيما يخص القضية الفلسطينية، فقد ترَكَزَتْ جُهودنا ولا تزال على أولويةِ وقف إطلاق النار وإغاثة الفلسطيينين في غزة، وعلى ضرورةِ كسر جدار الحصانة التي يحتمي بها الاحتلال الإسرائيلي، وكذا على حتميةِ تعزيز أفق التسوية السياسية للصراع العربي-الإسرائيلي وفق صيغة حل الدولتين المُتوافقِ عليها دولياً.
- ويُحسَبُ للدبلوماسية الجزائرية أنها كانت منذ انضمامها لمجلس الأمن وراء جميع المبادرات الهادفة لإبقاء الضوء مسلطاً على القضية الفلسطينية في كل وقت وحين،
- ويُحسَبُ للدبلوماسية الجزائرية كذلك أنها تقدمت بالعديد من مشاريع القرارات والبيانات لكبح جماح العدوان الإسرائيلي على غزة،
- ويُحسَبُ للدبلوماسية الجزائرية أيضاً أنها سَعَتْ على الدوام من أجل حشد المزيد من الدعم لصالح القضية الفلسطينية داخل مجلس الأمن،
- ويُحسَبُ للدبلوماسية الجزائرية أخيراً أنها أعادت طرح ملف العضوية الكاملة لدولة فلسطين بمنظمة الأمم المتحدة على أُسُسِهِ الحقة، كجزءٍ لا يتجزأ من مقتضيات حل الدولتين الذي كرسته الشرعية الدولية لإحلال سلام عادل ودائم ونهائي في منطقة الشرق الأوسط.
وفي وَجْهِ تَحَوُّلِ العدوان الإسرائيلي على غزة إلى عدوان أشمل وأوسع، تعددت فيه الوِجْهَاتْ والجَبَهَاتْ لتشمل لبنان، وسوريا، وإيران، واليمن، لم تتوان الجزائر بالتنسيق مع كل هذه الدول الشقيقة في الاضطلاع بواجباتها كاملة بصفتها العضو العربي الوحيد في مجلس الأمن.
أما فيما يخص قضية الصحراء الغربية، فالموقف الجزائري، داخل مجلس الأمن وخارجَه، يستمد قُوَّتَهُ من ثوابت تاريخية لا تقبل الدَّحْضَ أو التدليس، وهي الحقائق التي ترتبط تمام الارتباط:
- بِكَوْنِ القضية الصحراوية قضيةَ تصفيةِ استعمار لم يكتمل مسارُها،
- وَبِكَوْنِ الشعب الصحراوي مؤهلاً لممارسة حقه غير القابل للتصرف أو التقادم في تقرير المصير،
- وَبِكَوْنِ التواجد المغربي على الأراضي الصحراوية احتلالاً دخيلاً مُكْتَمِلَ الأركان لا يُمكن شَرْعَنَتُه، ولا يُمكن فرضُه، ولا يُمكن القبولُ به كأمرٍ محتوم.
من هذا المنظور، دعوني أؤكد مرةً أخرى أَنَّ أَيَّ صِيغةٍ للحل تتنافى مع هذه الحقائق الثابتة، على شاكلة خرافة الحكم الذاتي، لا تعدو أن تكون تسويفاً، ومماطلةً، ومناورةً مفضوحَةَ النوايا والمآرب.
- فالشعب الصحراوي هو صاحب قضية،
- والشعب الصحراوي هو صاحب حق،
- والشعب الصحراوي هو مالك أرض،
وبالتالي، فَإِنَّ الأَوْلَى ثُمَّ الأَوْلَى هو التَّوَجُّهُ صوبَ هذا الشعب واستشارةُ مُمثليه، عِوَضَ اسْتِجْدَاِء الدَّعْمِ في كل أرجاء المعمورة لخطةٍ لم تُعْرَضْ يوماً على تقدير من هُوَ أَوَّلُ المعنِيِّينَ بها، الشعب الصحراوي، وهو الشعب الذي، وبعد قُرَابَةِ نصف قرنٍ من معاناة الاحتلال، لم تَضْعُفْ عَزٍيَمَتُه، ولم تَخْبو إرادَتُه، ولم يتزعزع إصرارُهُ على استرجاعِ حقوقهِ كاملةً غير منقوصة.
- أما المحور الثالث من تعليمات السيد رئيس الجمهورية: فيتعلق بضرورة العمل من أجل أن تكون الجزائر قوة اقتراح إيجابية تساهم في رَأْبِ التَصَدُّعَاْت والانقاسامات بين الأعضاء الدائمين داخل مجلس الأمن. وقد نجحت الجزائر إلى حَدٍّ بعيد في هذا المسعى، وذلك عبر المساهمة في توحيد صوتِ وتأثيرِ مجموعة الدول العشر المنتخبة (E10).
فلأول مرة في تاريخ مجلس الأمن، صارت هذه المجموعة، التي تمثل الطيف الأوسع للمجموعة الدولية، تبادر بمشاريع قرارات مشتركة، حيث كانت نقطة الانطلاق مع مشروع القرار الذي قدمته الجزائر بداية هذا العام حول القضية الفلسطينية.
وهي المبادرة الجزائرية التي تَلَتْهَا مبادراتٌ أخرى أثبتت كُلُّهَا قُدْرَةَ مجموعةِ العشرة، أو مجموعة الدول المنتخبة، على تقريبِ وجهاتِ النظر وعلى مَدِّ جسور التواصل والتفاهم بين الدول دائمة العضوية بالمجلس بهدف بلورةِ حلولٍ توافقية تُرضي الجميع، وتُعلي راية الصالح العام، وَتَخْدُمُ السلمَ والأمنَ الدوليين.
وفي نفس الاتجاه، عكفت الجزائر على تقوية الصف الإفريقي داخل مجلس الأمن، في إطار الكتلة الإفريقية التي تتميز عن غيرها من أعضاء المجلس بكونها تُعبِّرُ عن مواقفَ قارية، لا مواقف وطنية صرفة.
- أما فيما يخص المحور الرابع والأخير من تعليمات السيد رئيس الجمهورية:فيتعلق بضرورة إعلاء قواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية في كل تحركات الجزائر داخل مجلس الأمن، وكذا العمل من أجل إعادة الاعتبار لمنظمة الأمم المتحدة ولدورها الحيوي في حل النزاعات وَفَضِّهَا بالسُّبُلِ التفاوضية السلمية.
فالقانون الدولي يظل البوصلة التي يَجِبُ أن يحتكم إليها الجميع على قدم المساواة، ومنظمة الأمم المتحدة تبقى الإطار الجامع الذي يَجِبُ أن يضطلع بدوره كاملاً في تفعيل قواعد القانون الدولي وضمان امتثال الجميع لأحكامه دون أي تمييز أو تفضيل أو مُحَابَاةْ.
وقناعتُنا تبقى ثابتة أَنَّ مَصِيرَ الإنسانية مُرتبط تمام الارتباط بمصير منظمة الأمم المتحدة كأثمن مَكْسَبٍ لها، وَأَنَّ خيرَ الإنسانية يكمن في إعادة الاعتبار لمنظمتنا هذه، وَأَنَّ دَرْأَ الأخطارِ المُحْدِقَة بالإنسانية يتوقفُ على تأهيل منظمتِنا هذه وتمكينِها من الاضطلاعِ بالمهام والمسؤوليات المنوطة بها على أمثل وأكمل وجه ممكن.
على ضوء هذه التعليمات السامية للسيد رئيس الجمهورية، ستُواصل الجزائر جُهودَها ومساعِيها خلال العام الثاني من عُهدتها، وهو العام الذي سَتُباشِرُهُ بلادُنا بتوليها رئاسةَ مجلس الأمن بعد يوم الغد. وستعملُ الجزائر، بعنوان هذه الرئاسة، من أجل تسليط الضوء على أبرز القضايا التي تَشْغَلُ العالمَ العربي والقارةَ الإفريقية:
- ففيما يخص العالم العربي، سيستمر تركيزُنا حول القضية الفلسطينية، حيث ستنظم الجزائر اجتماعاً وزارياً لمجلس الأمن بهدف مناقشة آخر التطورات في الأراضي الفلسطينية المحتلة بصفة خاصة وفي منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة.
- أما فيما يخص القارة الإفريقية: فالتركيز سيكون حول موضوع مكافحة الإرهاب في إفريقيا، وذلك عبر تنظيم اجتماع وزاري لمجلس الأمن للتداول حول امتداد آفة الإرهاب وانتشارها في ربوع قارتنا، خاصةً وأن هذه الآفة أصبحت تمثل في أيامنا هذه التهديدَ الأبرز والأكبر لأمن واستقرار الدول الإفريقية.
إن ما تبذله الجزائر من جهودٍ ومساعٍ بمجلس الأمن يُعتبر بمثابة امتدادٍ للدور الذي تضطلع به بِلادُنَا في فضاءاتِ انتمائها الإقليمية وخارج فضاءات الانتماء هذه، كطرفٍ فاعل، وكطرفٍ نشطٍ، وكطرفٍ حريصٍ كُلَّ الحرص على الإسهامِ في نشر الأمن والاستقرار، وكشريك أمين، وكشريك موثوق، وكشريك مُلتزم تمام الالتزام بإقامة علاقات متوازنة تعود بالنفع المشترك والفائدة المتقاسمة على الجميع.
من هذا المنظور، فقد كان عامُنا هذا الذي يوشكُ على الانقضاء حافلاً بالإنجازات والمُكتسبات التي ساهمت الجزائر في بلورتِها بمعية أشقائِها وأصدقائِها وشركائِها.
- فعلى الصعيد المغاربي، نال مقترح الجزائر بتأسيس آلية ثلاثية للتشاور والتعاون بموافقة وانخراط كل من تونس وليبيا.وهي الآلية التي عقدت لقاءين على مستوى القمة، وَتَمَخَّضَ عنها مشاريع تعاون فعلية تهدف في مُجملها إلى التكفل بالإشكاليات التي تعني هذه الدول بصفة مباشرة. ونحن في هذه الأثناء بصدد التحضير للقمة الثالثة المُنْتَظَرِ انعقادُها بالعاصمة الليبية طرابلس بداية العام الجديد بحول الله.
كما عَمِلَتْ الجزائر خلال هذا العام على الدفع بعلاقات الأخوة والتعاون التي تجمعها ثنائياً بدول جوارها المغاربي، لاسيما عبر الزيارات الرسمية التي قام بها رئيس الجمهورية إلى كل من الجمهورية التونسية، والجمهورية الإسلامية الموريتانية، وكذا الزيارات الرسمية التي استقبَلها السيد رئيس الجمهورية من قبل أشقائه رؤساء كل من الجمهورية التونسية، والجمهورية الإسلامية الموريتانية، ودولة ليبيا، والجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية.
- وفي فضاء الساحل الصحراوي، فقد حرصت الجزائر قولاً وفعلاً على أن تكون عنصرَ تهدئة واستقرار في المنطقة، وذلك عبر مدِّ جسور التعاون والتضامن مع الدول الشقيقة في هذا الجوار الإقليمي. ويدُ الجزائر تبقى ممدودةً على الدوام لأشقائها، لأن استقرارَ هذا الفضاء المشترك وأمنَه ورفاهَه، جزءٌ لا يتجزأ من أمن واستقرار ورفاه بلادنا.
- وفي الفضاء العربي، واصلت الجزائر خلال هذا العام مسار تعزيز العلاقات الثنائية التي تجمعها مع العديد من أشقائها العرب، وهو المسار الذي تَعَزَّزَ بالزيارات الرسمية التي قام بها رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، إلى كل من تونس، ومصر، وسلطنة عمان. وبالنسبة للعمل العربي المشترك، فإن بلادنا تواصل المرافعة من أجل إصلاح جامعة الدول العربية، التي تظل من أقدم المنظمات الحكومية في العالم التي لم تعرف في تاريخها أي تغيير أو تقويم.
- وعلى الصعيد القاري، فقد واصلت الجزائر جهودها الهادفة لتوطيد العلاقات الثنائية التي تجمعها بأشقائها الأفارقة، لاسيما عبر الزيارات الرسمية التي استقبلها رئيس الجمهورية خلال هذا العام من لدن أشقائه رؤساء كل من: جمهورية سيراليون، جمهورية السودان، جمهورية موزمبيق، وكذا جمهورية جنوب إفريقيا.
كما كانت الجزائر طرفاً فاعلاً في المكتسبات التي حققتها إفريقيا مؤخراً على درب تصحيح الظلم التاريخي المسلط عليها وتعزيز مكانَتِها على الساحة الدولية. وأعني بهذا على وجه الخصوص:
- افتكاكَ قارتِنا لعضويةٍ دائمة بمجموعة العشرين،
- والاعترافَ المتزايد بأحقيةِ قارتنا في تمثيلٍ دائمٍ بمجلس الأمن الأممي وفي توسيع تمثيلها غير الدائم بذات الهيئة،
- والإدراكَ المُتنامي بحتميةِ إصلاح المنظماتِ الاقتصادية والمالية الدولية على النحو الذي يُنصِفُ قارتنا ويصونُ حقوقها،
- وكذا تحقيقَ مطالبِنا القارية المتعلقة بتمويل عمليات السلام التي يُقرها الاتحاد الإفريقي ويضمنُ الإشرافَ عليها ومتابعةَ مُجرياتِها.
وهي الإشكاليات التي تندرج جميعها في صُلْبِ جدول أعمال ما صار يُعرف بـ"مسار وهران" الذي احتضنت بلادنا طبعته الحادية العشرة بداية هذا الشهر. كما احتضنت بلادنا، خلال هذا العام، وبالضبط في شهر جوان المنصرم، أشغال الاجتماع الوزاري للجنة العشرة للاتحاد الإفريقي المعنية بإصلاح مجلس الأمن.
- وفي الفضاء الأورومتوسطي، فقد انخرطت بِلادُنا في مشاوراتٍ تمهيدية مع الشركاء الأوروبيين لمعالجة الإشكاليات والإختلالات التي تشوب اتفاق الشراكة الذي يربط الجزائر بالاتحاد الأوروبي.
وغايتنا في ذلك هو أن نتجاوز اختزال هذه الشراكة في منطقة التجارة الحرة، وأن نعمل سوياً مع شركائنا الأوروبيين من أجل إقامة شراكة متوازنة وشاملة، شراكة تعود بالنفع المتقاسم على الطرفين، وشراكة تُسهمُ في خلق منطقة رفاهٍ مشترك تضطلع الجزائر فيها بدورها كاملاً غير منقوص.
- وعلى الصعيد العالمي الأوسع، وفي سياق التحولات الهيكلية التي يشهدها ميدان الطاقة، أثبتت الجزائر دورها الهام، ليس فقط كشريك موثوق في الاستجابة لاحتياجات الدول الأوروبية في مجال الغاز الطبيعي، وإنما أيضاً كطرف فاعل في تحديد ملامح حلٍّ مستدام لإشكالية الأمن الطاقوي على الساحة الدولية. وهو الأمر الذي تجلى من خلال القمة الناجحة التي استضافتها بلادنا مطلع هذا العام لرؤساء دول وحكومات منتدى الدول المصدرة للغاز. كما تجلى هذا الدور من خلال المشاركة البارزة واللافتة للسيد رئيس الجمهورية في قمة مجموعة السبع (Le G7)، وهي القمة التي انعقدت في مدينة باري الإيطالية شهر جوان المنصرم.
وختاماً، وفيما يخص ملف الترشيحات، فقد حظيت الترشيحات التي تقدمت بها الجزائر خلال سنة 2024 على المستوى الدولي بدعم وزخم كبيريْن، حيث نالت بلادنا:
- عضوية لجنة الأمم المتحدة لبناء السلام ،
- وعضوية المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة ،
- وعضوية لجنة التراث الثقافي اللامادي لمنظمة اليونيسكو،
- كما نالت الجزائر منصب نائب رئيس الدورة ال79 للجمعية العامة للأمم المتحدة.
وفي أوت الماضي، اعتمدت المجموعة الدولية نص الاتفاقية الأممية لمكافحة الجريمة السيبرانية. وهي الاتفاقية التي قادت الدبلوماسية الجزائرية مسارَها التفاوضي بكل جدارة واقتدار على مدى ثلاث سنوات، بالتعاون مع كافة الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة.
وعلى الصعيد القاري، تم انتخاب السيد رئيس الجمهورية، رئيساً لمنتدى رؤساء دول وحكومات الآلية الإفريقية للتقييم من قبل النظراء للفترة 2024-2026. كما نالت بلادنا خلال هذا العام:
- رئاسةَ القدرة الإقليمية لشمال إفريقيا،
- ورئاسةَ مجلس إدارة الاتحاد البريدي لعموم إفريقيا،
- ونيابةَ رئاسةِ اللجنة الإفريقية للطيران المدني ،
- وعضويةَ مجلس الفضاء الإفريقي،
- وكذا عضويةَ مكتب رئاسة مؤتمر رؤساء البرلمانات الإفريقية.
تلكم هي أهم المحاور التي انصب حولها النشاط الدبلوماسي لبلادنا خلال العام 2024. وهو النشاط الذي نتطلع لمواصلته وتدعيمه أكثر خلال العام المقبل تحت قيادة رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون. نسأل الله أن يوفقنا جميعاً وأن يسدد خطانا على درب تعزيز دور الدبلوماسية الجزائرية في الدفاع عن المصالح العليا لبلادنا، وفقاً لما تطرحه المرحلة الراهنة من تحديات وَجَبَ مُوَاجَهَتُهَا ومن فُرَصٍ يَقَعُ علينا استغلالُها وَتَوْظِيفُهَا أحسنَ توظيف.
شكراً لكم على كرم الإصغاء والمتابعة، والكلمة لكم لطرح أسئلتكم.