الكـلمة الإفتتاحية لوزير الدولة وزير الخارجية السيد عطـــاف بــأديس أبابـا
الكلمة الافتتاحية لمعالي السيد أحمد عطّاف
وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الأفريقية
- معالي السيد جيديون تيموثيوس، وزير الشؤون الخارجية لجمهورية إثيوبيا الديمقراطية الاتحادية،
- أصحاب السعادة السفراء وكبار المسؤولين، أعضاء وفدي البلدين المشاركين في هذه الدورة،
- أصحاب السعادة، السيدات والسادة الأفاضل،
أنعم الله مساءكم جميعا
أودّ في مُستهل كلمتي أن أعرب عن خالص تقديري وصادق امتناني لأخي العزيز ومعالي الوزير جيديون تيموثيوس على حفاوة الاستقبال وكرم الضيافة الإثيوبية الأصيلة والمتأصلة التي حظيت بها أنا وجميع أعضاء الوفد الجزائري.
كما أود أن أتوجه بجزيل الشكر إلى شخصكم الكريم، أخي العزيز، ومن خلالكم إلى جميع السلطات الإثيوبية المعنية، على الترتيبات المتميزة التي اتخذت لضمان سير واستكمال مداولاتنا اليوم في أحسن الظروف.
إنه لمن دواعي سروري أن أعود مرّة مُتجددة إلى أديس أبابا. لقد قمت بزيارات عديدة إلى هذه المدينة الجميلة خلال العامين الماضيين منذ تعييني في هذا المنصب، فضلا عن زيارات أخرى كثيرة خلال مساري الدبلوماسي. ومع ذلك، لا بد لي من الاعتراف بأنني وفي كل مرة أصل فيها إلى هنا، أنبهر حقًا بالتحول السريع والإيجابي لهذه المدينة النابضة بالحياة.
لقد قيل لي منذ زمن طويل أنّ اسم ”أديس أبابا“ يعني ”الزهرة الجديدة“. واليوم، أستطيع أن أقول، وبكل ثقة، أنّ هذه الزهرة قد تفتحت أخيرًا وأضحت تلهم القارة بأكملها. لذا، أقول للقيادة الإثيوبية ولجميع أخواتي وإخوتي الأعزاء من إثيوبيا: تهانينا! يجب أن تفخروا حقًا بما تم تجسيده وكذا بالعديد من الإنجازات التي يجري تحقيقها حاليًا، والتي أنا متأكد تمامًا أنها ستضيف المزيد من السحر والبهاء إلى جمال أديس أبابا الأخاذ.
ومن هذا المنطلق، ونحن نفتتح هذه الدورة الخامسة للجنة الوزارية المشتركة بين بلدينا، علينا أن نحرص كل الحرص على أن تتفتح زهرة العلاقات الجزائرية الإثيوبية بنفس الطريقة الجميلة لتُلهم الآخرين في إفريقيا وخارجها.
لطالما ارتبطت الجزائر وإثيوبيا بعلاقات قوية ونموذجية لا تنال رضا الطرفين فحسب، بل رضا القارة الإفريقية بأكملها، خاصة وأن إرثنا، من حيث التعاون الثنائي ومتعدد الأطراف، يتحدث عن نفسه:
فسويا، عملنا باستمرار بما يتماشى مع قيم ومبادئ ومُثُل الوحدة الأفريقية لتعزيز علاقاتنا الثنائية وتحقيق أهدافنا المشتركة،
وسويا، اضطلعنا بمسؤوليات كبيرة وأدينا أدواراً بارزة في دعم الوحدة السياسية والتكامل الاقتصادي لأفريقيا،
وسويا، كانت لدينا على الدوام نفس الرؤية المستقبلية، ليس لعلاقاتنا الثنائية فقط وإنما أيضا للمنظومة مُتعددة الأطراف ككل، لأننا كنا ولا نزال نتشارك نفس الرؤى بخصوص جميع القضايا تقريبًا، خاصة تلك التي تتعلق بشكل مباشر أو غير مباشر بقارتنا الحبيبة، أفريقيا.
وفي هذا السياق، اسمحوا لي أن أؤكد من جديد التزامنا الثابت بالإعلان الذي أقره بلدانا في جوان 2013 بهدف الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية. وأعتقد مخلصا أن ذلك القرار كان جدّ صائب لأن العلاقات الجزائرية الإثيوبية هي في الحقيقة علاقات استراتيجية بامتياز: استراتيجية في أبعادها واستراتيجية في مضمونها واستراتيجية في أهدافها.
واسمحوا لي أيضا أن أعرب لكم عن ارتياحنا العميق للحركية الجديدة التي عرفتها علاقاتنا الثنائية خلال السنوات الأخيرة. وهي الحركية التي تجلت من خلال الزيارات رفيعة المستوى التي قام بها إلى الجزائر عام 2022 كل من رئيس الوزراء ورئيسة إثيوبيا، ومن خلال اللقاءات المثمرة والهادفة التي جمعت بين قائدينا الرئيس عبد المجيد تبون ورئيس الوزراء أبي أحمد في مناسبات عديدة، وكذا من خلال الزيارات الوزارية الجزائرية التي تمت مؤخرا إلى إثيوبيا.
ولهذا، فإنّ واجبنا اليوم يتمثل في البناء على هذه الحركية الجديدة لضمان تحقيق شراكتنا الاستراتيجية لنتائج ملموسة ذات أثر إيجابي ومستدام، أو بعبارة أخرى، نحن في حاجة ماسة إلى الارتقاء بتعاوننا الاقتصادي إلى نفس المستوى المتميز لتنسيقنا السياسي.
وإذ نواجه هذا التحدي، فإنني أحث كل واحد من الحاضرين في هذه القاعة على تبني الرؤية الطموحة لقادتنا واضعين في الاعتبار أن جميع المقومات اللازمة والضرورية متوفرة لتحقيق نجاح باهر:
أولا، إن الإرادة السياسية للرقي بالعلاقات الجزائرية الإثيوبية في مسار تصاعدي ما فتئ يؤكد عليها قائدانا الرئيس عبد المجيد تبون والوزير الأول أبي أحمد. وقد أعرب كلاهما عن التزامهما بتطوير هذه العلاقات بشكل مكثف وشامل. كما حددا سويا تطلعاتهما لهذه العلاقات في جميع المجالات ذات الاهتمام المشترك وقدما توجيهات واضحة نحو تحقيق هذه الأهداف.
ثانياً، أنّ الإمكانات الهائلة للتعاون والشراكة بين بلدينا قد تم إبرازها في العديد من المجالات التي تم تحديدها، والتي نأمل أن نتمكن من خلالها من تحقيق مستويات أعلى من التجارة الثنائية والاستثمار. وتشمل هذه المجالات على وجه الخصوص: الصناعة الصيدلانية، والصناعات الغذائية، والفلاحة، والطاقة (التقليدية منها والمتجددة)، والمناجم، والنقل الجوي، والمؤسسات الناشئة، والتعليم العالي، والتكوين المهني.
ثالثاً، إن الطريق نحو تحقيق أهدافنا المشتركة في كل مجال من هذه المجالات ذات الاهتمام المشترك راسخ تماماً. وبوصفنا مُمثلين لحكومتينا، فإن مسؤوليتنا تتمثل في التأكد من وضع الأطر القانونية والمؤسساتية على النحو المناسب بغية فتح جميع السبل الممكنة للتعاون والشراكة. وتتمثل مسؤوليتنا أيضاً في توفير مساحة أكبر وتشجيع المزيد من التفاعلات والمزيد من التبادلات بين أوساط الأعمال في البلدين. ويمكن تيسير ذلك من خلال تفعيل مجلس الأعمال المشترك، ومن خلال تنظيم منتديات الأعمال، وكذلك من خلال تعزيز التظاهرات الاقتصادية المشتركة الأخرى.
وبينما نسعى جاهدين لتوطيد الشراكة الاستراتيجية التي تجمع بين بلدينا، يجب أن نضع في اعتبارنا التقلبات العميقة والاضطرابات المتسارعة التي يشهدها العالم بأسره.
إنّ النظام الدولي الذي ساد خلال العقود الثمانية الماضية يتعرض للطعن والتحدي والتقويض. فالقانون الدولي يتعرض للإهمال والتجاهل والانتهاك. كما يجري إضعاف المؤسسات الدولية وتهميشها وإسكاتها. وفوق كل ذلك، يجري استبدال قيم الحوار والدبلوماسية والتعاون بمنطق التهديد والمواجهة والابتزاز والهيمنة.
إن الأمثلة كثيرة للأسف لتشهد على الآثار بعيدة المدى التي تحدثها هذه التطورات المؤسفة والمقلقة. فالتحديات الداخلية التي تواجهها أفريقيا تتضخم في جميع المجالات على حد سواء، السياسية منها والأمنية والتنموية. كما يجري مرة أخرى إهمال أولوياتها على الصعيد العالمي والتخلي عنها.
وفي الشرق الأوسط، وبعد أن عانى الشعب الفلسطيني من المماطلة تلو الأخرى في سعيه لنيل حقه في إقامة دولته وفق حل الدولتين المتفق عليه دولياً، يُحرم هذا الشعب الأبي اليوم من أبسط حقوقه في الوجود وفي أن يكون سيد مصيره الشرعي وفي أن يستمر في العيش حراً على أرضه.
أما في الصحراء الغربية، فتتفاقم المعاناة والمآسي الناجمة عن الجمود في العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة بسبب المحاولات الأخيرة لحرمان الشعب الصحراوي علانية وبكل وقاحة من حقه غير القابل للتصرف في تقرير المصير
هذه مجرد أمثلة قليلة من أمثلة أخرى كثيرة حول العالم، تؤكد مرة أخرى أن الأضعف هم الأكثر عرضة للتحديات المستجدة في جميع أنحاء العالم. وبغض النظر عن التعقيدات التي تبرز إلى الواجهة، فإن هذا الواقع السيء يجب أن يقربنا من بعضنا البعض، ويجب أن يقوي عزيمتنا، ويجب أن يرفع من إرادتنا السياسية المشتركة، وأخيرًا وليس آخرًا، يجب أن يعزز تصميمنا المشترك على الارتقاء إلى مستوى الطموحات والتطلعات التي وضعها الآباء المؤسسون، ليس فقط على عاتق جيلهم، بل أيضًا على عاتق هذا الجيل والأجيال الأفريقية القادمة
وشكرا على كرم الإصغاء