الكلمة الافتتاحية للسيد أحمد عطاف في أشغال الدورة الثالثة للجنة التخطيط الجزائرية-التركية
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على نبيه الصادق الأمين
- يسعدني بدايةً أن أجدد الترحيب بكم، معالي الوزير والأخ العزيز، السيد هاكان فيدان، وبالوفد الرفيع المُرافق لكم والمُشارك معنا اليوم في أشغال هذه الدورة الثالثة للجنة التخطيط الجزائرية-التركية. حَلَلْتُم أهلاً في أرض الجزائر وَوَطِئْتُمْ سهلاً بين أهلكم الذين يُكِنُّونَ لتركيا ولشعبِها كل مشاعر المودةِ والمحبة والإِخاء .
- ولا يسعني بهذه المناسبة المباركة إلا أن أنوه بتدشينكم يوم أمس للقنصلية العامة لتركيا بمدينة وهران الباهية، وأن أهنئكم وأهنئ أنفسنا على هذا المكسب الجديد، وهو يرمز بامتياز لما أنجزناه معاً، وهو في ذات الحين المقياس الحقيقي لقوة وثراء وحركية العلاقات الجزائرية-التركية .
- تتجدد مواعيدُنا ولقاءاتُنا، ويتجدد معها ثباتُنا على العهد، والتزامُنا بالعلاقات المتميزة بين بلدينا وبين شعبينا الشقيقين. وبذات القدر، يتجدد طموحُنا في الارتقاء بهذه العلاقات إلى أسمى المصاف وأرقى المراتب، تجسيداً للتوجيهات السامية لقائدي بلدينا الشقيقين، الرئيس عبد المجيد تبون وأخيه الرئيس رجب طيب أردوغان .
- ولاشك أن الفضل، كل الفضل، يعودُ لَهُمَا فيما تشهَدُهُ العلاقات الجزائرية-التركية من حركية متزايدة، وفيما يَسُومُهَا من زخمٍ متصاعد، وفيما يُمَيِّزُها من نموٍّ مُطَّرِدٍ لا يستثني مضموناً من مضامينها الثرية ولا بُعداً من أبعادها المترامية في سخائها وعطائها.
- لقد أدرك رئيسا بلدينا، بِبَصِيرَتِهِمَا المُتَّقِدَة، أن هذه العلاقات لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم اختزالُها، أو اختصارُها، أو حصرُها.
- فهي أولاً علاقاتٌ تاريخية خالصة، تتغذى وتتقوى بانتمائنا الروحي والثقافي المشترك والمتقاسم .
- وهي ثانياً علاقاتٌ شاملة متكاملة، تستهدف ضمن مراميها ومقاصدها مدَّ جسور التعاون بين بلدينا في مختلف مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
- وهي ثالثاً وأخيراً علاقات أصيلة متأصلة، ترمي حقاً لخدمة أهدافٍ وأولوياتٍ حدّدنا سوياً مكامِنَها، ورَسَمْنَا معاً معالِمَها وأبعادَها .
- من هذا المنظور، حريٌ بنا ونحن نلتئمُ من جديد في إطار هذه الآلية الفريدة والمتفردة من نوعها، أن نَضَعَ نُصْبَ أعيُنِنَا الأولوياتِ النوعية والأهداف الكمية التي حدّدها الرئيسان عبد المجيد تبون ورجب طيب أردوغان، وفق نهجٍ مِلؤُهُ الصرامة والوضوح والطموح.
- فسواءٌ تعلق الأمر بحجم المبادلات التجارية، أو بمستوى الاستثمارات البينية، أو بالتعاون في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية المُمَثَّلةِ والحاضِرة معنا اليوم، نحن مطالبُون بتذليل العقبات، صغيرِها وكبيرِها، على درب تحقيق الأهداف الإستراتيجية المنوطة بنا .
- صحيحٌ أننا مرتاحون أولاً لمستوى التجارة البينية التي حققت أرقاماً لم يسبق لها مثيل في تاريخ علاقاتنا الثنائية، ببلوغها قيمة 6 مليار دولار أمريكي خلال العام المنصرم. لكننا لا نزالُ نطمحُ لتحقيق المزيد، لأن المطلوب هو بلوغ قيمة 10 مليار دولار، كما وجَّهنا بذلك قائدا بلديْنا .
- وصحيحٌ أننا مرتاحون ثانياً للمستوى غير المسبوق الذي بلغته الاستثمارات التركية بالجزائر، بقيمةٍ إجمالية تُقارب مبلغ 6 مليار دولار، وبالنجاحاتٍ الثنائية التي حققناها معاً في مجالات الحديد والصلب، والنسيج، والطاقة، والأشغال العمومية، بل وحتى في مجال الزراعة الصحراوية مؤخراً. لكننا لا نزالُ نطمح لتحقيق المزيد، لأن الفرص الاستثمارية التي يوفرها الاقتصاد الجزائري لا تَنْفَكُّ تَظْهَرُ لِلْعَيَان في مجالات جديدة، على شاكلة الطاقات المتجددة، والصناعات الصيدلانية، وغيرها من المجالات التي نصبو أن تمتد وتتوسع إليها شراكَتُنا الثنائية وتعاونُنا البيني .
- وصحيحٌ أننا مرتاحون ثالثاً وأخيراً لكل ما تم تحقيقه من ناحية تقوية الأبعاد الإنسانية لعلاقاتنا الثنائية، في مجالات الثقافة، والتعليم العالي، والبحث العلمي، والصحة وغيرها. لكننا لا نزالُ نطمحُ لتحقيق المزيد، لأن أَبْلَغَ مُؤشرٍ على نجاحنا يَكْمُنُ في مدى توفيقنا في تعزيز التقارب والتفاعل والتعاون بين الشَّعْبَيْنْ الشقيقين، الجزائري والتركي .
- وبقدر حرصنا على تقوية هذه الشراكة الواعدة، في مختلف أبعادها ومضامينها، فإننا نحرص كذلك، كُلَّ الحرص، على تعزيز تقاليد التشاور السياسي والتنسيق البيني حول مختلف القضايا الراهنة التي تندرج في صلب اهتمامات بَلَدَيْنَا الشقيقين. فعالمُنا اليوم يشهد اضطرابات حادة لم تستثني أَيَّ رُكْنٍ من أركان المنظومة الدولية المعاصرة: لا الأمنُ الجماعي، ولا الترابطُ الاقتصادي، ولا القانونُ الدولي، ولا المنظماتُ الدولية المؤطرة للتفاعل متعدد الأطراف، ولا حتى أمنُ واستقرارُ الدولِ التي صارت تدفع ثمناً باهظا جراء الاضطرابات الدولية الراهنة، لاسيما في إفريقيا .
- أوضاعٌ مثل هذه تفرض دون أدنى شك تقويةَ ما يجمع بلدينا من توافقات سياسية، قِوامها الالتزام الدائم بالمبادئ المكرسة في الميثاق الأممي، والسعي الدؤوب لتغليب منطق الحوار في فض الأزمات والنزاعات والحروب. وقد سُعِدتُ بالمباحثات التي أجريتُها اليوم مع أخي معالي الوزير هاكان فيدان، وهي المباحثات التي أكدنا خلالها على أمرين أساسيين:
- أن الجزائر وتركيا تظلان وَفِيَتَيْنِ لنضال الشعب الفلسطيني وكفاحه من أجل إحقاق حقوقه وإقامة دولته المستقلة والسيدة وعاصمتها القدس الشريف، وهي الحقوق التي لا تسقط بالتقادم، ولا تُنْقِصُ من شرعيتِها ومشروعيتِها التحولاتُ التي قد تطرأ على الظرف الدولي العام، ولا يمكن أن تَضِيعَ مهما تعاظمت واستفحلت العراقيلُ والحواجزُ المنصُوبَةُ في وجهها .
- وأن الجزائر وتركيا ستواصلان السعي من أجل تحقيق سلام شامل وعادل ودائم ونهائي في الشرق الأوسط، سلامٌ يضمن إلى جانب إنصاف الشعب الفلسطيني، الحفاظ على الوحدةِ الوطنية، والسلامةِ الترابية، وسيادةِ كل من لبنان وسوريا .
- ختاماً، وبالنظر لكل هذه المعطيات المشجعة، فإن دورنا اليوم لا يقتصر على جرد المنجزات والاعتزاز بها، بل يتعدى ذلك بكثير ليشمل التخطيط للمراحل المقبلة وتعبيد الطريق أمامها. لأننا نظل على ثقة تامة، أَنَّ مَا يَنْتَظِرُ هذه الشراكةَ الواعدة سيكون بحول الله أبهى وأجزل وأنفع للجزائر ولتركيا على حدٍّ سواء .
- شكراً على كرم الإصغاء، والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .
جميع الحقوق محفوظة - وزارة الشؤون الخارجية و الجالية الوطنية بالخارج