كلمة السيد الوزير خلال النقاش بمجلس الأمن حول الدور المحوري للشباب في مواجهة التحديات الأمنية
- شكراً السيد الرئيس.
- إن هذا الوفد يعترف لملطا الصديقةأنه وُفِّقَت وأصابت في اختيار موضوع جلسة نقاشناهذه؛وهي الجلسة التي أخذت لُبَّها من الدور المحوري للشباب في مواجهة التحديات الراهنة في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
- فمنطقتُنا لم تَسْلَم ممّا ابتُلِيَ به غيرُها من المناطق من أزمات ونزاعات وتوترات لا تزال تَرْهَنُتحقِيقَ ما يَنْشُدُهُ أَهْلُها من ِسلمٍ وأمنٍ وتنميةٍ وطمأنينة وتعايشٍ سلمي.
- ويكفي أن نُذكِّر هنا بالأزمة الليبية التي طال عمرها ولا يزال يطول بسبب العثرات التي تعترض سبيل المصالحة الوطنية، والتشتتات المؤسساتية، وصعوبة الدخول في مسار انتخابي مُوحدٍ وجامع. وفوق كل هذا وذاك، بسبب التدخلات الأجنبية التي يُمكن اعتبارها أكبر عائق لحل الأزمة الليبية.
- كما يكفي أن نُذكِّر كذلك بما يتعرض له أهلُنا في الأراضي الفلسطينية المحتلة منعدوان جائر وغاشم منذ أكثر من نصف عام، في فصلٍ جديد من فصول المحاولات الإسرائيلية المتكررة الرامية لطمس معالم أقدم قضية في تاريخ المنطقة وفي تاريخ منظمتنا الأممية نفسها.
- فشبابُ فلسطين اليوم لم يَعُدْ من حقهم أن يَحْلُمُوا حتى بالعيش الآمن والحياة الكريمة، ولم يَعُدْ من حقهم أن يَطْمَحُوا إلى التعلم وتكوين أنفسهم، أو أن يبنوا مُستقبلَهم ويطوروا بلدَهم الذي سُلِبَ منهم. بل إن الآلاف منهم لم يعد حتى من حقهم أن يَكْبُرُوا لِيَصِيرُوا شَبَاباً، لأن أيادي الاحتلال الإسرائيلي أصرت علىسَلْبِ أرواحهم أطفالاً ورُضَّعَا.
- ومن جانب آخر، فإن الحوض المتوسطي الذي يُمثل مُلتقى أعظم الحضارات في تاريخ البشرية، أضحى اليومعرضةًلتداعيات العديد من الآفات العابرة للحدود والأوطان، على شاكلة الأخطار الإرهابية وما يرتبط بها من تطرف عنيف وجريمة منظمة، إلى جانبالأضرار المتزايدة للتغيرات المناخيةالتي أصبحت واقعاً معاشاً لا مجال لإنكاره أو التَسَتُّرِ عليه.
- ويُضاف إلى كل هذه التحديات تحدي الهجرة غير الشرعية في الفضاء المتوسطي الذي لا يزال ينتظر من دول المنطقة استجابات مشتركة ترقى إلى مستوى أهمية هذه الظاهرة وما تَطْرَحُهُ من تبعات ترمي بذات الثُقل على دول المصدر والعبور والاستقبال على حدٍّ سواء.
- إن هذه التطورات المتسارعة تضع شباب المَنْطِقَة المتوسطية في صلب الإشكالية المطروحة في المرحلة الراهنة: فهم من جهة أَكبرُضحية من ضحايا التحديات الأمنية، ومن جهة أخرى فَهُمْ أَهَمُّمفتاحٍ من مفاتيح رفع هذه التحديات ومعالجتها على الوجه الأكمل والأمثل والأصح.
- ومن هنا تَبْرُزُ الحاجة الملحة لاستحداث واعتماد مقاربةجماعية تكون في مستوى طموحات وتطلعات شبابنا. وهي المقاربة التي تدعو الجزائر إلى صقلهاوِفْقَ نظرةٍمُجَدِدَةٍتستجيب لمجموعةٍ من خمسٍ متطلباتٍ رئيسية ذات طابع أولوي واستعجالي :
- فالمنطقة بحاجة أولاًإلى مقاربة تنموية، لأن التنمية المستدامة تظل وَحْدَها القادرة على ثَنْيِ الشباب عن مخاطر الهجرة غير الشرعية، وعن الإرهاب والتطرف، وكذا عن الجريمة المنظمة بمختلف أشكالها وأنواعها.
- والمنطقة بحاجة ثانياً إلى مقاربة وقائية تقوم على نشر ثقافة السلم والتسامح والتعايش، وتشجيع قيم الحوار والتفاعل الإيجابي بين الثقافات، عوض زرع الانقسامات وبث التصادمات التي لا طائل منها إطلاقاً.
- والمنطقة بحاجة ثالثاًإلى مقاربة تشاركية، بكل ما ينطوي عليه هذا الهدف من ضرورة إعلاء قيم التضامن والتعاون والشراكة المتوازنة بين دول ضفتي المتوسط في مواجهة التحديات الراهنة التي لا يمكن بأي حال من الأحوال مُقارَعَتُها في صفوف متفرقةوأساليبَ متضاربة وسياساتٍ متناقضة.
- والمنطقة بحاجة رابعاً إلى مقاربة مبنية على قواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، مقاربة تضع حدّاً لاحتلال أراضي الغير بالقوة، لا سيما في فلسطين وفي الصحراء الغربية، ومقاربة تُنهي بصفة جذرية التدخلات الخارجية التي تتأثر منها أيما تأثردول الضفة الجنوبية.
- والمنطقة بحاجة خامساً وأخيراً، إلى مقاربة يتقيد فيها الجميع بمبادئ حسن الجوار وتعظيم المصالح المتبادلة والمشتركة والمترابطة. فليس من هذه المبادئ ولا من هذه المثل، ما شهدناه ولا نزال نشهده من تصرفاتِدولة معينة في جوارنا الإقليمي تسعى إلى إغراق مجتمعات المنطقة بمختلف أنواع المخدرات التي تُنتجها وتستعملها كسلاح فتاك ضد شباب الدول المجاورة.
- تلكم هي الأركان الأساسية للمقاربةالتي لم تفتأ ترافع من أجلها بلادي، والتي تسعى لترقيتها عبر اضطلاعها بتقديم القرار الدوري للجمعية العامة حول "دعم الأمن والتعاون في منطقة المتوسط".
- فالجزائر لم تبخل يوماً بجهودها ومساعيها الدبلوماسية الرامية لتغليب منطق الحلول السلمية للأزمات،والمساهمة في الدفع بجهود التنمية خاصة مع أشقائها الأفارقة عبر الوكالة الوطنية للتعاون والتضامن من أجل التنمية في إفريقيا.
- كما تتشرف بلادي بالمساهمة في تكوين الموارد البشرية الافريقية الشابة، وهي التي تُوفر سنوياً لأشقائها الأفارقة ما لا يقل عن 2500 منحة دراسية في مختلف ميادين التعليم العالي والتكوين المهني.
- وفي ذات السياق، تحتضن الجزائر وتدعم "المعهد الإفريقي لعلوم المياه والطاقة والتغُّيرات المناخية" بالتعاون مع الشريك الألماني، وهو المعهد الذي يُمثل نموذجاً ناجحا للتعاون شمال-جنوب في مجال تكوين وتأهيل الشباب الافريقي.
- فقناعتنا تبقى راسخة مِنْ أَنَّأَهَمَّ استثمارٍ يستحق أن نَحْشُدَ له جهودنا اليوم، هو ذلك الذي يستهدف أعظم ثروةٍ تَحُوز عليها منطقتنا، ألا وهي الطاقة الشبابية، كنزُ الكنوز الذي لا يَعلُو عليه أيُّ كنزٍ آخر، لا قيمةً ولا ثمناً ولا قدرةً على بناء الفضاء الذي تَنْشُدُهُ دُوَلُنا وشُعوبنا، فضاء يَجمع ولا يُقصي، فضاء يُوَحد ولا يُفَرق، وفضاء ينعم جميع قاطنيه بالسلم والأمن والتنمية والرخاء دون أياستثناء، أو تمييز، أو تفضيل.
شكراً السيد الرئيس.
جميع الحقوق محفوظة - وزارة الشؤون الخارجية و الجالية الوطنية بالخارج