تصريح السيد الوزير، أحمد عطاف، عقب استقباله رئيسة بعثة الأمم المتحدة بالنيابة للدعم في دولة ليبيا
بسم الله الرحمن الرحيم
- أود بدايةً أن أجدد الترحيب بالسيّدة ستيفاني خوري، رئيسة بعثة الأمم المتحدة للدعم في دولة ليبيا بالنيابة، وأشكرها على الزيارة الهامة التي تقوم بها إلى الجزائر.
- وهي الزيارة التي تندرج في إطار التشاور والتنسيق بين الجزائر ومنظمة الأمم المتحدة حول تطورات ومستجدات المشهد الليبي، وحول سبل تعزيز وتكثيف جهودنا المشتركة الداعمة لإعادةِ اللحمة في ليبيا شعباً ودولةً ومؤسسات.
- وقدشكل اجتماعنا اليوم فرصةً للاطلاع على الجهود والمساعي التي تبذلها الأمم المتحدة في سبيل الدفع قُدُماً بالعملية السياسية لحل الأزمة الليبية، وهي الجهود والمساعي التي تدعمها الجزائر دعماً كاملاً غَيْرَ محدودٍ وغير مشروط، سواءٌ من موقعها كعضو غير دائم بمجلس الأمن، أو من مَوَاقِعِها المتعددة في مختلف التجمعات والمنظمات الإقليمية، وعلى رأسها الإتحاد الإفريقي.
- إننا وإذ نجدد اليوم دعمَنا لمنظمة الأمم المتحدة وثِقَتَنا بِأَهْلِيَّتِها وقُدْرَتِها على تحقيق الهدف المنشود، فإننا نَلْحَظُ بكل أسف أن الأزمة الليبية تخطَّت منذ بِضْعِ أشهر عامَها الثالثَ عَشَرْ، وأنه مع زيادة عمرها تزداد بذات القدر تَعْقِيداتُها، وتَنْحسر بِقَدْرٍ مُمَاثِلٍ آفاقُ الحل السياسي الذي طالما سعينا جاهدين ومخلصين من أجل تحقيقه وتثبيت أسسه ومقوماته.
- إِنَّ طُولَ أَمَدِ الأزمة الليبية يرتبط تمام الارتباط، وفي المقام الأول، بِتَزايُدِ وتَعَاظُمِ وَتَعَقُّدِ التدخلات الخارجية في شؤون هذا البلد الشقيق، من شرقه إلى غربه،ومن شماله إلى جنوبه.
- وبالتالي، فإن مفتاح حل هذه الأزمة يكمن أساساً في استبعاد وإنهاء هذه التدخلات، بجميع أشكالها ومضامينها ومآربها، السياسيةِ والعسكريةِ والأمنية.
- وبصفتها دولةً شقيقةً وجارةً لليبيا،تَتَقاسَمُ معها الحُلْوَ والمُرَّ، وتتأثر أيما تأثر بكل ما يعنِيها ويَمُس أمنَها واستِقرَارَها، فإن الجزائر تُجدد دعوتَها ومطالبتَها لجميعالأطراف الأجنبية برفع أياديها الجاثمة على الشأن الليبي، وبوضع حد للسياسات والممارسات والتصرفات التي تُغَذِّي الانقسام وتزرع الفرقة وتُعمق الهُوَّةَبين أبناء الوطن الواحد والأمة الموحدة.
- فبقدر ما يمكننا رؤية التصادمات والصراعات والتجاذبات التي تُرافق ظاهرةَ التدخلاتِ الأجنبية، فيما ظهر منها وما بطن، فإننا لا نرى البتة ما يمكن أن يفسر أو يعلل أو يبرر الشِّقاقات والانقسامات والخلافات بين أبناء الوطن الواحد.
- إننا في الجزائر نبقى على قناعة راسخة أن إنهاء هذه التدخلات سيكون له الأثر البالغ في تمكين الأشقاء الليبيين من تجاوز التجاذبات والاستقطابات الراهنة، ومن إيجاد أرضية توافقية تُكرسُ مساهمةَ الجميع في مسار ليبي-ليبييَطْوِيَ صفحة الخلافات، وَيَرْأَبُ الصَّدْعْ، وَيُنهيالأزمةبصفةنهائية.
- والأكيد أن هذه الأرضية التوافقية لا بد وأن تُفضي إلى تنظيم انتخابات حرة ونزيهة:
- انتخاباتٌ يَمْنَحُ من خلالها الشعبُ الليبي الشَّرعيةَ لمن يَرَاهُمْالأَكْفأَوالأقدرَ على تمثيله والذَّوْدِ عن مصالحه،
- وانتخاباتٌ تَتَوَلَّدُ عنها مؤسساتٌ موحدة وقوية، ومؤسساتٌ رادعة ومانعة ومُبطلة لكل مفعول من مفاعيل التدخلات الأجنبية،
- وانتخاباتٌ تُعيد لدولة ليبيا هيبَتَها ومكانَتَها الطبيعية والمستحقة على الصعيدين الإقليمي والدولي.
- إن المُعَوِّقَاتْ التي لا تزال تَطَالُ الجهودَ الأممية الرامية لإنهاء الأزمة في ليبيا،لاسيما التأجيل المتكرر للاستحقاق الانتخابي وما تلاه من مستجداتٍ مقلقة في ظل عودة الانقسام المؤسساتي وتزايد مخاطر التَّصَادُمِ بين الأشقاء،كُلُّها تطوراتٌ يجب أن تستوقِفَنا لتحديد مواطنِ الخلل في جهودنا الجماعية واستشرافِ المراحلِ المستقبلية بكل واقعية وعقلانية وتبصر.
- ومن هذا المنظور، أكدتُ خلال اجتماعي اليوم بالسيّدة ستيفاني خوري على أربع أولويات رئيسية نعتقد أنه من الأهمية بمكان التركيز عليها في المرحلة الراهنة. ويتعلق الأمر:
- أولاً، بتفادي تحويل الاستحقاقالانتخابيفي ليبيا إلى غايةٍ بحد ذاتها. فالغاية تبقى أشمل وأوسع، ونجاح هذا الاستحقاق على قدر أهميته، يتوقف على مدى التقدم المحرز في العمل التحضيري الذي ينبغي استِنْفاذُهُ على أكمل وأمثل وجه.
- ثانياً، أهمية الحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار والعمل على تثبيته. فالأكيد أن هذا الاتفاق يُعَدُّ أهم مكسب تم تحقيقه خلال السنوات الأخيرة،وبالتالي لابد من مضاعفة الجهود للحفاظ عليه وتفعيل جميع أركانه تفادياً لأي انزلاقات أو انفلاتات غير محمودة العواقب.
- ثالثا: إذا كنا نرحب بكل المبادرات والرغبات والمسارات التي تَضَعُ نُصْبَ أولوياتِها حلَّ الأزمة الليبية، فإننا نشدد على ضرورة أن تكون هذه المبادرات وهذه الرغبات وهذه المسارات امتداداً وسنداً وعوناً للجهد الأممي الذي يبقى المرجع الأساسي الذي تتجسد فيه ثوابت حل الأزمة الليبية، وكذا معالمها وضوابطها.
- رابعاً وأخيراً، عدم التخلي عن مشروع المصالحة الوطنية الليبية. فالبرغم من كل الصعوبات التي اعترضت سبيل هذا المشروع، إلا أنه يبقى يكتسي في نظرنا أهميةً بالغة، كَوْنَهُ سَيُسْهِمُ، لا محالة ولا ريب، في بلورةِأرضيةٍ جامعة ومُوَحِّدَة لجميع بناتِ وأبناءِ ليبيا، أرضية تَنْأى بهم عن نهج التجاذب والانقسام، وأرضية تُبعدهم كل البعد عن منطق الغالب والمغلوب.
- تلكم هي الأولويات التي ترى الجزائر ضرورة التركيز عليها في المرحلة الراهنة، أملاً في الوصول إلى حلٍيَدْرَأُ عن ليبيا وعن شعبها خَطَرَ الانقسام، وخطر الاقتتال، وبقية الأخطار التي تتهدد وتتربص بهم.
- شكراً لكم السيّدة ستيفاني خوري على هذه الزيارة، وشكراً على حرصكم على التشاور والتنسيق مع الجزائر. ولكم منا كل الدعم والسند في جهودكم المتواصلة وفي مساعيكم الحثيثة من أجل ضمان مستقبل أفضل لليبيا الشقيقة ولشعبها الأبي الذي يستحق منا كل التضامن والتآزر والتعاضد.
جميع الحقوق محفوظة - وزارة الشؤون الخارجية و الجالية الوطنية بالخارج